فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابنُ عطيَّة- معترضًا على هذا الوجه-: ولَوْ كَانَ من رؤية القلب، لتعدَّى بالهمزة إلى ثلاثةِ مفاعيل.
ولو قال قائلك المفعولُ الثالثُ يتضمنه المعنى، فهو مُقَدَّرٌ أي: مذمومة أو خربة أو مُسَعَّرة- على قول من قال: إنَّهَا جهنم- قيل له: لا يَجُوزُ حذفُ هذا المفعولِ، ولا الاقتصارُ دُونَهُ، لأنَّهَا داخلةٌ على الابتداءِ والخبرِ، ولو جُوِّزَ لكان على قبح في اللِّسان، لا يليق بكتاب الله تعالى.
قال أبُو حيان: وحَذْفُ المفعُول الثَّالث في باب أعْلَمَ لدلالة المعنى عليه جائزٌ، فيجوزُ في جواب: هل أعلمتَ زَيْدًا عمرًا منطلقًا؟ أعلمتُ زيدًا عمرًا، وتحذف منطلقًا لدلالة الكلام السَّابق عليه.
فصل:
قال شهابُ الدِّين: هذا مُسَلَّمٌ، لكن أيْنَ الدَّليل عليه في الكلام، كما في المثال الذي أبرزه الشَّيْخُ؟
ثم قال: وأمَّا تَعْليلُهُ بأنَّهَا داخلةٌ على الخَبَرِ لا يدلُّ على المنع، لأنَّ خبر المبتدأ يجوزُ حَذْفُهُ اختصارًا، والثانِي، والثَّالِثُ في باب أعْلَمَ يَجُوزُ حذفُ كُلٍّ منهما اختصارًا.
قال شهابُ الدِّين: حذفُ الاختصار لدليلٍ، ولا دليلَ هَنَا.
ثم قال: وفي قوله لأنَّهَا- أي: {سَأريكُمْ}- داخلةٌ على المبتدأ، والخبر تجوُّزٌ ويعني أنَّها قبل النَّقْل بالهمزة داخلة على المبتدأ والخبر.
وقرأ الحسن: {سَأوريكُمْ} بواو خالصة بعد الهمزة وفيها تخريجان: أحدهما قاله الزمخشريُّ-: وهي لغةٌ فاشية بالحجاز يُقَالُ: أوْرَنِي كَذَا وأوْرَيْتُهُ، فوجهه أن يكون من أوْرَيْتُ الزَّنْدَ، فإن المعنى: بَيِّنْهُ لي وأنِزْهُ لأستبينَه.
والثاني:- ذكره ابنُ جنيٍّ- وهو أنَّهُ على الإشباع، فيتولَّد منها الواو، قال وناسَبَ هذا كونُهُ موضعَ تهديدٍ ووعيدٍ فاحتمل الإتيان بالواو.
قال شهابُ الدِّين: وهذا كقول الشاعر: [البسيط]
اللَّهُ يَعْلَمُ أنَّا فِي تَلَفُّتِنَا ** يَوْمَ اللِّقاءِ إلى أحْبَابِنَا صًورُ

وأنِّنِي حَيْثُمَا يُثْني الهَوَى بَصَرِي ** مِنْ حَيْثُمَا سَلَكُوا أدْنُوا فأنْظُورُ

لكن الإشباعَ بابُهُ الضَّرُورَةُ عند بعضهم.
وقرأ ابنُ عبَّاسٍ، وقسامة بن زيد {سأورثُكُمْ} قال الزمخشريُّ: وهي قراءة حسنةٌ، يصحِّحُهَا قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم} [الأعراف: 137]. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَكَتَبْنَا لَهُ في الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْء}.
وفي الأثر: أن موسى عليه السلام كان يسمع صريرَ القلم، وفي هذا نوع لطف لأنه إنْ منع منه النظر أو منعه من النظر فقد علله بالأثر.
قوله جلّ ذكره: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ}.
فيه إشارة إلى أن الأَخْذَ يُشير إلى غاية القرْبِ، والمراد هاهنا صفاءُ الحال، لأن قربَ المكانِ لا يَصِحُّ على الله سبحانه.
قوله جلّ ذكره: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}.
فَرْقٌ بين ما أمر به موسى من الأخذ وبين ما أمره أن يأمر به قومه من الأخذ، أَخْذُ موسى عليه السلام من الحق على وجهٍ من تحقيق الزلفة وتأكيد الوصلة، وأَخْذُهُم أخذُ قبولٍ من حيث التزام الطاعة، وشتان ما هما!.
قوله: {بِأَحْسَنِهَا} بمعنى بِحُسْنِهَا، ويحتمل أن تكون الهمزة للمبالغة يعني: بأحسنها ألا تعرِّج على تأويل وارجع إلى الأَوْلى.
قوله جلّ ذكره: {سَأُورِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ} يعني عليها غَبَرةٌ العقوبة، خاوية على عروشها، ساقطة على سقوفها، مُنْهَدٌّ بنيانُها، عليه قَتَرةُ العِقاب.
والإشارة من دار الفاسقين إلى النُّفوس المتابعة للشهوات، والقلوب التي هي معادن المنى وفاسد الخطرات، فإنَّ الفِسقَ يوجب خرابَ المحل الذي يجري فيه؛ فمن جرى على نفسه فِسْق خربت نفسه. وآية خراب النفوس انتفاءُ ما كان عليها وفيها من سكان الطاعات، فكما تتعطل المنازل عن قطانها إذا تداعت للخراب فكذلك إذا خربت النفوس بعمل المعاصي فتنتفي عنها لوازم الطاعات ومعتادها، فبعد ما كان العبد يتيسر عليه فعل الطاعات لو ارتكب شيئًا من المحظورات يشق عليه فعل العبادة، حتى لو خُيِّر بين ركعتي صلاة وبين مقاساة كثيرٍ من المشاق آثر تحمل المشاقِّ على الطاعة.. وعلى هذا النحو ظلمُ القلوب وفسادُها في إيجاب خراب محالها. اهـ.

.تفسير الآية رقم (146):

قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما انقضى ذلك، كان كأنه قيل: وكيف يختار عاقل ذلك؟ فكيف بمن رأى الآيات وشاهد المعجزات؟ فقال: {سأصرف عن آياتي} أي المسموعة والمرئية على عظمتها بما أشارت إليه الإضافة بالصرف عن فهمها واتباعها والقدرة على الطعن فيها بما يؤثر في إبطالها {الذين يتكبرون} أي يطلبون الكبر بما ليس لهم ويعملون قواهم فيه {في الأرض} أي جنسها الذي أمرت بالتواضع فيه.
ولما كان من رفعه الله بصفة فاضلة فوضع نفسه موضعها ولم يهنها نظرًا لما أنعم الله به عليه ومنحه إياه ربما سمى ذلك كبرًا، وربما سمى طلبه لتلك الأخلاق التي توجب رفعته تكبرًا، وليس كذلك وإن وافقه في الصورة، لمفارقته له في المعنى فإنه صيانة النفس عن الذل، وهو إنزال النفس دون منزلتها صنعة لا تواضعًا، والكبر رد الحق واحتقار الناس، ففي التقييد هنا إشارة خفية لإثبات العزة بالحق والوقوف على حد التواضع من غير انحراف إلى الصنعة وقوفًا على شرط العزم المنصوب على متن نار الكبر؛ قال الإمام السهروردي: ولا يؤيد في ذلك ويثبت عليه إلا أقدام العلماء الراسخين- قال تعالى احترازًا عنه ومدخلًا كل كبر خلا عن الحق الكامل: {بغير الحق} أي إنما يختار غير الأحسن من يختاره بقضائي الذي لا يرد وأمري العالي على أمر كل ذي جد فأزين لمن علمت خباثة عنصره ورداءة جوهره ما أريد حتى يرتكبوا كل قبيحة ويتركوا كل مليحة، فينصرفون عن الآيات ويعمون عن الدلالات الواضحات.
ولما أخبر بتكبرهم في الحال، عطف عليه فعلهم في المآل فقال: {وإن يروا كل آية} أي مرئية أو مسموعة {لا يؤمنوا بها} أي لتكبرهم عن الحق {وإن يروا سبيل} أي طريق {الرشد} أي الصلاح والصواب الذي هو أهل للسلوك {لا يتخذوه سبيلًا} أي فلا يسلكونه بقصد منهم ونظر وتعمد، بل إن سلكوه فعن غير قصد {وإن يروا سبيل الغي} أي الضلال {يتخذوه سبيلًا} أي بغاية الشهوة والتعمد والاعتمال لسلوكه.
ولما كان هذا محل عجب، أجاب من يسأل عنه بقوله: {ذلك} أي الصرف العظيم الذي زاد عن مطلق الصرف بالعمى عن الإيمان واتخاذ الرشاد {بأنهم} أي بسبب أنهم {كذبوا بآياتنا} أي على ما لها من العظمة {وكانوا عنها} أي خاصة جبلة وطبعًا {غافلين} أي كان دأبهم وديدنهم معاملتهم لها بالإعراض عنها حتى كأنها مغفول عنها فهم لذلك يصرون على ما يقع منهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية المتقدمة قوله: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} [الأعراف: 145] ذكر في هذه الآية ما يعاملهم به فقال: {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض} واحتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى قد يمنع عن الإيمان ويصد عنه وذلك ظاهر، وقالت المعتزلة: لا يمكن حمل الآية على ما ذكرتموه ويدل عليه وجوه:
الوجه الأول: قال الجبائي لا يجوز أن يكون المراد منه أنه تعالى يصرفهم عن الإيمان بآياته لأن قوله: {سَأَصْرِفُ} يتناول المستقبل وقد بين تعالى أنهم كفروا فكذبوا من قبل هذا الصرف، لأنه تعالى وصفهم بكونهم متكبرين في الأرض بغير الحق وبأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلًا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلًا، فثبت أن الآية دالة على أن الكفر قد حصل لهم في الزمان الماضي، فهذا يدل على أنه ليس المراد من هذا الصرف الكفر بالله.
الوجه الثاني: أن قوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض} مذكور على وجه العقوبة على التكبر والكفر، فلو كان المراد من هذا الصرف هو كفرهم، لكان معناه أنه تعالى خلق فيهم الكفر عقوبة لهم على إقدامهم على الكفر، ومعلوم أن العقوبة على الكفر بمثل ذلك الفعل المعاقب عليه لا يجوز، فثبت أنه ليس المراد من هذا الصرف الكفر.
الوجه الثالث: أنه لو صرفهم عن الإيمان وصدهم عنه فكيف يمكن أن يقول مع ذلك {فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20]، {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49]، {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ} [الإسراء: 94، الكهف: 55] فثبت أن حمل الآية على هذا الوجه غير ممكن فوجب حملها على وجوه أخرى.
فالوجه الأول: قال الكعبي وأبو مسلم الأصفهاني: إن هذا الكلام تمام لما وعد الله موسى عليه السلام به من إهلاك أعدائه، ومعنى صرفهم إهلاكهم فلا يقدرون على منع موسى من تبليغها ولا على منع المؤمنين من الإيمان به، وهو شبيه بقوله: {بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: 67] فأراد تعالى أن يمنع أعداء موسى عليه السلام من إيذائه ومنعه من القيام بما يلزمه في تبليغ النبوة والرسالة.
والوجه الثاني: في التأويل ما ذكره الجبائي فقال: سأصرف هؤلاء المتكبرين على نيل ما في آياتي من العز والكرامة المعدين للأنبياء والمؤمنين، وإنما يصرفهم عن ذلك بواسطة إنزال الذل والإذلال بهم، وذلك يجري مجرى العقوبة على كفرهم وتكبرهم على الله.
والوجه الثالث: أن من الآيات آيات لا يمكن الانتفاع بها إلا بعد سبق الإيمان.
فإذا كفروا فقد صيروا أنفسهم بحيث لا يمكنهم الانتفاع بتلك الآيات، فحينئذ يصرفهم الله عنها.
والوجه الرابع: أن الله تعالى إذا علم من حال بعضهم أنه إذا شاهد تلك الآيات فإنه لا يستدل بها بل يستخف بها ولا يقوم بحقها، فإذا علم الله ذلك منه، صح من الله تعالى أن يصرفه عنه.
والوجه الخامس: نقل عن الحسن أنه قال: إن من الكفار من يبالغ في كفره وينتهي إلى الحد الذي إذا وصل إليه مات قلبه، فالمراد من قوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ ءاياتي} هؤلاء.
فهذا جملة ما قيل في هذا الباب، وظهر أن هذه الآية ليس فيها دلالة قوية على صحة ما يقول به في مسألة خلق الأعمال.
والله أعلم.
المسألة الثانية:
معنى يتكبرون: أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم وهذه الصفة أعني التكبر لا تكون إلا لله تعالى، لأنه هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد فلا جرم يستحق كونه متكبرًا، وقال بعضهم: التكبر: إظهار كبر النفس على غيرها.
وصفة التكبر صفة ذم في جميع العباد، وصفة مدح في الله جل جلاله، لأنه يستحق إظهار ذلك على من سواه لأن ذلك في حقه حق.
وفي حق غيره باطل.
واعلم أنه تعالى ذكر في هذه الآية قوله: {بِغَيْرِ الحق} لأن إظهار الكبر على الغير قد يكون بالحق، فإن للمحق أن يتكبر على المبطل، وفي الكلام المشهور التكبر على المتكبر صدقة.
أما قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} ففيه مباحث:
البحث الأول: قرأ حمزة والكسائي: {الرشد} بفتح الراء والشين والباقون بضم الراء وسكون الشين.
وفرق أبو عمرو بينهما فقال: {الرشد} بضم الراء الصلاح لقوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشدًا} [النساء: 6] أي صلاحًا، و{الرشد} بفتحهما الاستقامة في الدين.
قال تعالى: {مِمَّا عُلّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] وقال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد، مثل الحزن والحزن، والسقم والسقم، وقيل: {الرشد} بالضم الاسم، وبالفتحتين المصدر.
البحث الثاني: {سَبِيلَ الرشد} عبارة عن سبيل الهدى والدين الحق والصواب في العلم والعمل و{سَبِيلَ الغى} ما يكون مضادًا لذلك، ثم بيّن تعالى أن هذا الصرف إنما كان لأمرين: أحدهما: كونهم مكذبين بآيات الله.
والثاني: كونهم غافلين عنها، والمراد أنهم واظبوا على الإعراض عنها حتى صاروا بمنزلة الغافل عنها والله أعلم. اهـ.